ترجمة إعلان بودابسيت إلى العربية:
إن التقاء فضاء الانترنت مع الأعراف الأكاديمية العريقة المتمثلة في رغبة العلماء والباحثين في التبرع بنشر ثمرات بحوثهم في المجلات العلمية لأجل المعرفة ومن غير مقابل ، قد أتاح فرصة غير مسبوقة لصالح جماهيرالناس. والفائدة التي أصبحت ممكنة لصالح الجماهير هي التوزيع الإلكتروني العالمي واسع النطاق للإنتاج العلمي في المجلات العلمية المحكمة، وإتاحته بالكامل مجاناً ومن غير قيود لجميع العلماء والباحثين، والمدرسين، والطلاب، وكل العقول الشغوفة. إن إزالة عوائق الوصول ستزيد من وتيرة البحث العلمي، وستعزز التعليم، وستشرك الفقراء والأغنياء معاً في التعلم، وستجعل النشر العلمي مفيداً إلى أقصى حد ممكن، وستضع أساساً لتوحيد الإنسانية حول حوار فكري مشترك بحثاً عن المعرفة.
ولأسباب مختلفة فإن هذا النوع من التوفر الحر وغير المقيد على الإنرنت، وهو ما نسميه بالوصول الحر، ظل مقتصراً حتى الآن على قدر ضئيل من الإنتاج العلمي في المجلات العلمية. وبالرغم من ضآلة هذا القدر المتجمع، فإن العديد من المبادرات قد بينت أن الوصول الحر ذو جدوى اقتصادية، إذ أنه يمنح القراء قدرة غير عادية للاستفادة من الإنتاج العلمي المنشور، ويمنح المؤلفين وأعمالهم ظهوراً ومقروئيةً وتأثيراً متسارعاً وقابلاً للقياس.
ولتأمين كل هذه الفوائد للجميع، فإننا نهيب بكل المؤسسات والأفراد المهتمين للمساعدة في تحقيق الوصول الحر لما تبقى من الإنتاج العلمي البحثي، ولإزالة العوائق، وبخاصة عوائق الأسعار التي تسد الطريق. وكلما زاد عدد الذين ينضمون إلى هذه الجهود الرامية لتعزيز هذه القضية، فإنه كلما عجل ذلك بمجئ الوقت الذي يجعلنا نتمتع جميعاً بفوائد الوصول الحر.
إن الإنتاج العلمي الذي ينبغي أن يكون متاحاً بالمجان على الخط المباشر هو ما يقدمه العلماء للعالم من إنتاجهم العلمي دون أن ينتظروا مقابلاً مادياً. ويشمل هذا في المقام الأول مقالاتهم المنشورة في مجلات علمية محكمة، إلا إنه يشمل أيضاً أي مسودات بحثية يودون إتاحتها لزملائهم بهدف الحصول على ملاحظاتهم، أو لإشعارهم بنتائج بحثية مهمة.
إن هنالك العديد من الدرجات والأنماط للوصول لهذا الإنتاج العلمي. ولكن ما نعنيه من “الوصول الحر” هو أن يكون الإنتاج العلمي متاحاً على الإنترنت بحيث يستطيع أي فرد الوصول إلى النصوص الكاملة للبحوث العلمية المحكمة، ويمكنه قراءتها، أو تنزيلها، أو نسخها، أو توزيعها، أو طباعتها، أو البحث فيها، أو وضع روابط الوصول إليها، أو فهرستها، أو تمريرها –كبيانات-عبر البرمجيات، أو استخدامها لأي غرض مشروع، من غير رسوم مالية، أو قيود قانونية، أو عقبات فنية بخلاف القيود الأصلية العادية المتعلقة بالوصول إلى الإنترنت نفسها. والقيد الوحيد على إعادة الطباعة أو التوزيع هو احترام حقوق الملكية الفكرية متمثلاً في مراعاة الضبط العلمي للإحالات المرجعية والاستشهاد.
وعلى الرغم من ضرورة أن يكون الإنتاج العلمي المنشور في المجلات العلمية المحكمة متاحا على الإنترنت للقراء بالمجان، إلا إن إنتاجه بلا تكاليف غير ممكن، ومع ذلك ففقد أثبتت التجارب أن نفقات توفير الوصول الحر لهذا الإنتاج العلمي بشكل عام أقل بكثير من نفقات الصيغ التقليدية للنشر. وإن في توفر مثل هذه الفرصة التي تقلل التكاليف وتوسع نطاق النشر في الوقت نفسه، لحافزاً قوياً للجمعيات المهنية، والجامعات، والمكتبات، والمؤسسات الأخرى لتبني الوصول الحر كوسيلة معززة لرسالتهم. وإن تحقيق هدف الوصول الحر يتطلب نماذج جديدة لتغطية النفقات، وتمويل الآليات، لكن تكاليفه المنخفضة جداً سبب كاف يجعلنا نثق أنه بالوسع تحقيق هذا الهدف، وأنه ليس محض أحلام وردية.
ولتحقيق الوصول الحر للإنتاج العلمي في المجلات المحكمة، فإننا نوصي بالاستراتيجيتين التكميليتين التاليتين:
1. الأرشفة الذاتية: أولاً يحتاج العلماء إلى الأدوات والمساعدة التي تمكنهم من إيداع مقالاتهم العلمية المحكمة في أرشيف إلكتروني مفتوح، وهي الممارسة التي تعرف شيوعاً بالأرشفة الذاتية. وعندما تتوافق الأراشيف الذاتية مع المعايير التي استحدثتها مبادرة الوصول الحر، فإن محركات البحث وغيرها من الأدوات ستتعامل مع الأراشيف المنفصلة باعتبارها شيئاً واحداً. وحينها لا يحتاج المستخدمون لمعرفة تفاصيل الأراشيف المستقلة عند بحثهم عن محتوياتها واستخدامها.
2. مجلات الوصول الحر: ثانياً يحتاج العلماء إلى وسائل إطلاق جيل جديد من المجلات الملتزمة بالوصول الحر، ومساعدة المجلات التقليدية التي تختار التحول إلى الوصول الحر. ولأنه ينبغي نشر مقالات هذه المجلات على أوسع نطاق ممكن، فإن هذه المجلات لا تتمسك بحقوق الطبع لتقييد الوصول إلى المواد التي تنشرها أو استخدامها. وبدلاً من ذلك فإن هذه المجلات توظف حقوق الطبع، والأدوات الأخرى لتأمين وصول حر دائم لجميع ما تنشره من مقالات. ولأن السعر أحد موانع الوصول، فإن هذه المجلات لن تفرض رسوم اشتراك، او رسوم وصول، بل ستتجه إلى أساليب آخرى لتغطية نفقاتها. وهنالك مصادرة بديلة عديدة لتمويل هذا الغرض، منها المؤسسات والحكومات التي تدعم البحوث، والجامعات والمختبرات التي توظف الباحثين، والتبرعات الوقفية المؤسسة، وأصدقاء قضية الوصول الحر، وأرباح مبيعات الزيادات الإعلانية، والأموال التي يحررها إلغاء المجلات التي تفرض رسوماً تقليدية للاشتراك والوصول، وحتى مساهمات الباحثين انفسهم. وليس هنالك حاجة لتفضيل حل من هذه الحلول على غيره في جميع التخصصات، أو للأمم كافة، كما أنه ليس هنالك حاجة للتوقف عن البحث عن بدائل مبتكرة أخرى.
إن الوصول الحر إلى الإنتاج العلمي المحكم في المجلات هو الغاية. أما الأرشفة الذاتية، والجيل الجديد من مجلات الوصول الحر، فهما الوسيلتان لتحقيق هذه الغاية. وهما ليستا وسيلتين مباشرتين وفعالتين وحسب، وإنما هما متاحتان للباحثين أنفسهم إتاحة مباشرة، دون الحاجة لانتظار الرسوم التي يستحدثها السوق أو التشريعات. وبينما نؤيد نحن هاتين الاستراتيجيتين الموضحتين، فإننا نشجع أيضاً تجريب سبل أخرى لتحقيق التحول من وسائل النشر الحالية إلى الوصول الحر. إن المرونة، والتجارب، والتكيف مع الظروف المحلية هي أفضل الطرق لضمان ان يكون التقدم في ظل أوضاع متنوعة، سريعاً، وآمنأً، وطويل الأمد.
إن معهد المجتمع المفتوح، وهو الشبكة المؤسسة التي أسسها صاحب العمل الخيري جورج سوروس، ملتزم بتقديم المساعدة والتمويل الابتدائيين لتحقيق هذا الهدف. وسيستخدم موارده، ونفوذه لتوسيع الأرشفة الذاتية المؤسسية وتعزيزها، وإطلاق مجلات جديدة للوصول الحر، ومساعدة نظام مجلات الوصول الحر على تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً. ومع أن التزام معهد المجتمع المفتوح بموارده أمر أساسي، لكن هذه المبادرة تظل بحاجة ماسة إلى أن تقدم المنظمات الأخرى جهودها ومواردها.
إننا ندعو الحكومات، والجامعات، والمكتبات، ومحرري المجلات، والناشرين، والمؤسسات، والجمعيات العلمية، والجمعيات المهنية، وأفراد الباحثين، الذين يشاركوننا رؤيتنا، ندعوهم للانضمام إلينا في هذه المهمة لإزالة عوائق الوصول الحر، وبناء مستقبل يكون فيه البحث والتعليم في كل بقعة من العالم أكثر حريةً وازدهاراً.
14 فبراير 2002
بودابست، المجر
Translation provided by Mohamed E. Seliaman, PhD, King Faisal University